محسن العثماني الندوي: جمع أبو الحسن الندوي بين السجادة والكتاب

محسن العثماني الندوي: جمع أبو الحسن الندوي بين السجادة والكتاب

نظّم مركز الدراسات العربية والإفريقية بجامعة جواهر لال نهرو يوم الأربعاء الموافق الخامس عشر من أكتوبر عام 2025م محاضرة علمية بعنوان “الشيخ أبو الحسن علي الحسني الندوي في ضوء كتاباته العربية”، وألقاها البروفيسور محمد محسن العثماني الندوي، أحد أبرز علماء اللغة العربية في الهند، وذلك بحضور عدد كبير من الأساتذة والباحثين والطلبة.
ترأست الحفلة البروفيسورة شوبها سيواسانكاران، عميدة مدرسة اللغات والآداب والثقافة، وقامت بتنسيقها الدكتورة زرنغار التي افتتحت البرنامج بكلمة عبّرت فيها عن سرورها بهذه المناسبة، شاكرةً للمحاضر تلبية الدعوة ومثمّنةً جهوده العلمية. ثم ألقى البروفيسور قطب الدين كلمة ترحيبية أصالةً عنه ونيابةً عن المركز، ورحّب فيها بضيف الشرف البروفيسور زبير أحمد الفاروقي وبالمحاضر البروفيسور محسن العثماني الندوي. وأعقبت ذلك كلمة تعريفية ألقاها البروفيسور مجيب الرحمن، الذي تحدث فيها عن المسيرة العلمية للبروفيسور محسن عثماني المليئة بالإنجازات، وأشار إلى أنه من كبار الكتّاب في اللغتين العربية والأردية، ومتميز بأسلوب أدبي فريد ابتكره لفنسه. ووُلد العثماني عام 1947م في مدينة غيا بولاية بيهار، وعمل في مؤسسات علمية وثقافية بارزة منها جامعة جواهر لال نهرو ومكتبة خدابخش ببتنة وإذاعة عموم الهند بدلهي وجامعة اللغات الإنجليزية والأجنبية بحيدر آباد، ونال عدة جوائز منها جائزة رئيس الجمهورية.
بدأ البروفيسور محسن عثماني الندوي محاضرته متحدثًا عن مكانة الشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي في الفكر الإسلامي والأدب العربي، ووصفه بأنه شخصية كالشمس والقمر والوردة في إشراقها وتأثيرها، وأنه من الشخصيات التي يصعب على التاريخ تجاهلها لما تركه من بصمات فكرية وإنسانية عميقة. أوضح المحاضر أن الندوي جمع بين الفكر والدعوة، وبين الروحانية والعلم، فكان نموذجاً للعالم المصلح الذي لا ينفصل عنده الدين عن الحياة ولا الفكر عن العمل.
وأشار العثماني إلى أن الشيخ الندوي كان من أوائل من دعا إلى الانسجام الطائفي والتعايش السلمي بين أتباع الديانات المختلفة في الهند، ولتحقيق هذا الغرض النبيل أسّس حركة رسالة الإنسانية، وهي حركة فكرية وروحية هدفت إلى تعزيز روح الأخوة بين المسلمين والهندوس، وإلى ترسيخ القيم المشتركة القائمة على المحبة والاحترام المتبادل. وساعده في هذه الحركة مولانا عبد الكريم فاريكه، وقد لاقت هذه الدعوة استجابة واسعة وتقديراً كبيراً في الأوساط الفكرية والسياسية، حتى إن شخصيات بارزة مثل إنديرا غاندي وأتل بيهاري فاجبايي كانت تزور الشيخ الندوي في رائي بريلي تقديراً له ولمكانته العلمية والكتابية في الهند وخارجها.
ثمّ انتقل العثماني إلى الحديث عن مكانة الشيخ الندوي في الكتابة بالعربية، فأشار إلى أنّ أسلوبه متين وسلس في الوقت نفسه، يجمع بين فصاحة البيان وحرارة الإيمان، ويغلب عليه الطابع الدعوي والفكري. وأضاف أن الندوي كتب منذ صباه بالعربية، إذ صدرت أول مقالة له في صحيفة المنار للسيد رشيد رضا المصري عن السيد أحمد الشهيد وهو في السادسة عشرة من عمره، ثم واصل الكتابة فأبدع في مجالات الأدب والفكر والتاريخ والدعوة. ومن أبرز مؤلفاته التي تناولها المحاضر “ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين” الذي أكسبه شهرة عالمية، وروائع إقبال الذي ترجم فيه بالعربية نتفا من أبيات الشاعر محمد إقبال، وقدّم فيه عصارة فلسفته الشعرية، وإذا هبّت ريح الإيمان الذي تأثر فيه بحركة السيد أحمد الشهيد، وقصص النبيين الذي خاطب به الناشئة بلغة تجمع بين الأدب والعقيدة. وأوضح العثماني أن أسلوب الندوي يتغير بتغير الموضوع، فأسلوبه في روائع إقبال مختلف تمامًا عنه في إذا هبّت ريح الإيمان، فالأسلوب في الأول أدبي تحليلي، بينما يغلب عليه الحماس الدعوي في الثاني، وفي قصص النبيين يطغى عليه الطابع القصصي التربوي. وقد كتب الندوي للكبار والصغار على حد سواء، مؤمناً بأن رسالة الكلمة لا تقتصر على طبقة بعينها.
وكذلك تطرّق العثماني إلى سمات شخصية الندوي، فذكر أنه كان زاهداً في المال والمناصب، لم يستفد من الجوائز التي حصل عليها لنفسه، بل كان ينفقها في خدمة طلاب العلم والمؤسسات التعليمية. وكان من أولئك الذين جمعوا بين السجادة والكتاب، فهو يعبد في الليل ويقرأ ويكتب في النهار، يعيش بساطة العارفين وهمّة العلماء. وبيّن أن نثره يحمل طابع التأمل الاجتماعي والإنساني، لأنّه يكتب من قلب الأمة ، وهذا ما جعل كتاباته حيّة مؤثرة. وأشار العثماني إلى أن النقاد العرب والهنود على حد سواء أشادوا بأسلوب الندوي وذوقه الأدبي الرفيع، وأردف قائلًا عن أسلوب الندوي بالأدب الأردي: والده كتب عن التاريخ الأردي باسم ” غل رعناء” بأسلوب متميز، مما ورّثه حسّاً لغوياً رفيعاً.
ثم ألقى ضيف الشرف البروفيسور زبير أحمد الفاروقي كلمة عبّر فيها عن تقديره العميق لشخصية الشيخ الندوي، وأشاد بجهوده في تجديد الفكر الإسلامي والأدب العربي، وتناول نظرية الندوي في الأدب من خلال كتابه نظرات في الأدب، متحدثاً عن تمييزه بين الأدب الصناعي التقليدي والأدب الطبيعي، ومقدماً نماذج توضّح تطور الأدب العربي عبر العصور، مما أضفى على الجلسة عمقاً فكرياً مميزاً.
وفي ختام الحفلة جرى تكريم الطلبة الفائزين بالمراكز الأولى في المسابقة الشعرية التي عقدتها جمعية” كللول” على مستوى مدرسة اللغات والآداب والثقافة، حيث قُدّمت لهم الدروع والجوائز التقديرية. وبعد ذلك ألقت البروفيسورة شوبها سيواسانكاران الكلمة الرئاسية، عبّرت فيها عن سعادتها بنجاح الفعالية وبالحضور الكبير من الأساتذة والباحثين، مشيدةً بجهود مركز الدراسات العربية والإفريقية في تنظيم مثل هذه المحاضرات التي تثري الحياة الأكاديمية وتعمق التواصل بين الثقافات.
واختُتم الحفل بكلمة شكر ألقاها البروفيسور أشفاق، قدّم فيها خالص الشكر والتقدير للمحاضر البروفيسور محسن عثماني الندوي ولضيف الشرف البروفيسور زبير أحمد الفاروقي، ولجميع الحاضرين من الأساتذة والباحثين والطلبة الذين ساهموا في إنجاح هذه المناسبة الثقافية والعلمية الرفيعة.
وقد حضر الحفلة جمع كبير من الأساتذة والباحثين من مركز الدراسات العربية والإفريقية ومنهم: البروفيسور رضوان الرحمن، والبروفيسور عبيد الرحمن طيب، والدكتور عبد القدوس، والدكتور محمد أجمل، والدكتور أكرم نواز، والدكتور أختر عالم، والدكتورة زرنغار، والدكتور عظمة الله، والدكتور هري مادهوا من مركز اللسانيات، وقد أضفى حضورهم العلمي والفكري رونقاً خاصاً على المناسبة، وأسهم في إنجاح فعالياتها بروح من التعاون.

لا تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *